ستقف الجماهير القطرية يوم غد الأربعاء في ملعب جاسم بن حمد تكريماً واحتفاء بنجمها الكروي كابتن ولاعب فريق السد ومنتخب قطر سابقاً جفال راشد الكواري في مباراة اعتزاله لعبة كرة القدم في لقاء سيجمع السد مع آي سي ميلان الإيطالي الذي سيحضر الدوحة مدججاً بكامل نجومه.
سيكون اللقاء جماهيرياً بامتياز, خصوصاً أن التهافت الكبير على التذاكر بدأ منذ لحظة طرحها في الأسواق, وهذا أمر لا يعد مفاجئاً للاعب بمستوى جفّال أعطى الكرة القطرية الكثير لحوالي العقدين, اتسمت بالنجاحات المتعاقبة محلياً وخليجياً وعربياً, حتى بات اسمه متلازماً مع كل انجاز لفريق السد أو لمنتخب قطر.
ونظراً لقيمة جفال لدى فريق السد, الفريق الذي لعب له, دون غيره, بإخلاص وتفان طيلة أعوامٍ سبعة عشر, فقد كان اتجاه النادي أن يكون وداع جفال للبساط الأخضر كلاعب مميزاً بحق, فكان القرار باللعب مع ميلان الذي يصل مطار الدوحة مساء الثلاثاء على متن طائرة خاصة, ثم ينتقل مباشرة لملعب نادي السد حيث سيجري تمريناً لمدة ساعتين مفتوحاً لمن شاء من حاملي التذاكر فقط.
وسيعقد الطرفان, جفال وانشيلوتي مؤتمراً صحفياً عقب التمرين, يتناولان فيه جوانب المهرجان الاحتفالي, وستكون الفرصة سانحة للصحفيين والإعلاميين لنهل المعلومات من الجانبيين خصوصاً أنهما يختزنان الكثير لقوله كل من موقعه, جفال حول المهرجان وخطوة فريق السد بتكريمه المميز ومستقبله بعد الاعتزال, وأنشيلوتي, حول وضع ميلان ومستقبله وطموحاته, وهو الخارج من خيبة أوروبية كبيرة عقب توديعه كأس الاتحاد بخفي حنين.
وسيشكل يوم اعتزال جفال للعبة حالة مزدوجة المشاعر, قلّما يعيشها إنسان, وجهها الأول الحزن الذي سيشوب الجماهير كونها ستستعد لوداع نجمها كلاعب (قد يستمر مع السد لنهاية الموسم) وهي ستفتقد لصولات "فارس" في الملعب, لكنها "سنّة الحياة" كما يقول بو راشد نفسه, أما وجهها الثاني فيكمن في إتاحة الفرصة للجماهير لرؤية فريق عالمي بمنزلة ميلان, وهو أمر يندر حصوله خصوصاً أن مدربه, كارلو أنشيلوتي "صاحب النظرة الكرويّة الثاقبة" أبى الحضور إلا وكافة نجومه.
جفال راشد وباولو مالديني
ولٍعَ جفال, صاحب السنين الست والثلاثين, بالرياضة منذ نعومة أظافره, فولج عالمها وهو في المدرسة كلاعب جمباز, وليس كرة قدم, فأصاب نجاحاً هاماً كان من شأنه أن يُمنح بسببه لقب "بطل قطر" وهو الذي تميّز في الجهاز الأرضي والحركات الفردية, ولا ريب أن بناءه البدني الذي اكتسبه من رياضة الجمباز شكل بوابة عبور لتفوّق لاحق دام سنين في عالم الساحرة مستديرة, خصوصاً أنه عايش فترة من الزواج بين الرياضتين حينما ما كان يافعاً.
عام 1982 شكل نقطة بداية التحول لجفال, حين بدأ رحلته الكروية, فتدرّج في النادي بدءاً من فئة البراعم وصولاً للفريق الأول العام 1988, أي في سنه السادسة عشرة (مواليد 27 أيلول/سبتمبر 1972), وخاض عامذاك مباراته الأولى أمام الشمال, وتوالت بعدها مشاركاته حتى أمسى الرقم الصعب الذي لا غنى عن خدماته الكروية في الفريق.
برع "بو راشد" في مركز الظهير الأيمن وهو يعد من أبرز من شغله, لكن تميزه الحقيقي كان في مقدرته على شغل أي مركز يُناط به فاستطاع إثبات جدارته أينما وظّفه المدرب, وهذا ما دفع بإعطائه لقب الـ"جوكر" نظراً لقابليته ومرونته الفنية والبدنية في التنقل في سائر أرجاء الملعب مع توفير المردود نفسه.
وكما استطاع تثبيت قدميه في الأخضر بجدارة, نجح "بو راشد" في احتلال قلوب جماهير السد خصوصاً وقطرعموماً, متسلحاً بقدراته الكروية والفنية وبأخلاقية قلّ نظيرها يلتمسها كل عارف به, كيف لا وهو الذي يحرص في أي تصريح أو مقابلة صحفية على ذكر فضل كل شخص دعمه في حياته منذ صغره.
أكثر الأمثلة حضوراً على دماسة خلقه وعمق إخلاصه, تتمثل بولائه للفريق الذي حضنه طيلة سبعة عشر عاماً, أي السد وهو الذي لعب له طيلة مسيرته رافضاً الانتقال لأي فريق آخر, وهذا يعد وفاءاً مميزاً ونادراً في عصر الاحتراف والمال والمغريات المادية, وفاء قل نظيره في العالم, وللمفارقة فإنه سيتشاطر هذا الإخلاص غداً الأربعاء مع نجم ميلان وإيطاليا, باولو مالديني الذي بدوره لم يرتد في مسيرته أي بدلة رياضية, إلا تلك الخاصة بميلان.
مسيرة زاخرة بالألقاب
حفلت مسيرة جفال بالألقاب والبطولات على الصعيدين المحلي والدولي, وهو حصد الجوائز مع السد وكذلك مع المنتخب القطري, مظهراً روحية كبيرة في الملاعب, خصوصاً أن مسيرته واجهتها العراقيل والمواقف الصعبة أبرزها تعرضه لإصابتين خطيرتين في مسيرته, الأولى في خليجي 11 أمام البحرين حين أصيب بكسر مزدوج في الفك لم يثنه عن طلب العودة للملعب أثناء نقله على المحفة لخارجه, علماً أن حالته استوجبت علاجاً في بريطانيا, والثانية إصابته في الرباط الصليبي, مما حرمه المشاركة في خليجي 12، والغياب 4 أشهر.
أبرز البطولات التي يعتز بها جفال هي إحرازه الرباعية التاريخية مع السد موسم 2006-2007, بطولة الدوري العام وكأس الأمير وكأس ولي العهد, والبطولة الشيخ جاسم, وهو لا يخفي شعوره العظيم برفع أربعة كؤوس في موسم واحد, "أفضل لحظات حياتي مع الزعيم في موسم الرباعية حيث كان شعور أكثر من رائع أن أرفع أربع كؤوس في موسم واحد".
باكورة ألقاب الـ"جوكر" كانت العام 1991 حين فاز ببطولة مجلس التعاون الخليجي, وكرت بعدها الألقاب, ويعتز جفال حين يسرد انجازات الزعيم فيقول في حديث للموقع الرسمي لنادي السد: "...السد دائماً متعود على الألقاب, وتعتبر بطولاتي مع السد أربع في الدوري, وأربع في كأس ولي العهد, وست في كأس الأمير", كما أحرز لقب الأندية العربية العام 2001, ويذكر بفرح فوز السد بلقب أندية آسيا العام 1989 حين كان يتمرن مع الفريق في ذلك الوقت وهو في بداية مسيرته في فئة الكبار.
أما دولياً فكان لجفّال حضوراً مميزاً أيضاً منذ بدأ مسيرته مع المنتخب الأولمبي في دورة برشلونة 1992, حقق بعدها مع الفريق القطري لقب خليجي 11 عام 1992, ووصلت قمة عطاءاته الدولية في خليجي 15 في السعودية عام 2002 حين نال جائزة أفضل لاعب في الدورة, ونال مع المنتخب المركز الثاني في البطولة التي ذهب لقبها للسعودية بفارق نقطة واحدة عن قطر (13 مقابل 12).
طبعاً لا تُقتصر مسيرة جفال ببضع كلمات, ما ورد أعلاه ما هو إلا مرور سريع على حياة لاعب مميز, أراد الترجل عن صهوة التألق والاعتزال منذ ثلاث سنوات, لولا إصرار المدرب الأورغواياني خورخي فوساتي على بقائه في الملاعب لقناعته بأن قراراً مماثلاً سابق لأوانه, لكن اليوم "بو راشد" قرر نهائياً توديع الملاعب كلاعب, لكن دون شك مسيرة عطائه لن تنضب, ولو كان فوساتي مازال في قطر لكان على الأرجح عاد وسأل الـ"جوكر" أن يبقى مثلما طلب البرازيلي لياو منه هذا الموسم.